في فترة الانتداب الفرنسي، أدّت عمليات المسح وتسجيل الأراضي إلى تحديدٍ واضحٍ للملكية العقارية الفردية في غالبية المناطق اللبنانية، باستثناء محافظة بعلبك - الهرمل التي تتكوّن اليوم بغالبها من أراضٍ ذات ملكيّاتٍ مشتركة أو خاضعةٍ لإدارةٍ غير عقارية. بمرور الزمن، بدأت تلك المناطق تشهد تصادمًا بين الممارسات الاجتماعية لمفهوم الملكية المشتركة من جهة، واستخدام الأرض وفق الأُطر الرسمية الحديثة التي تنظّم الملكية والتخطيط والعمران من جهةٍ أخرى. وإزاء بعض المشكلات التي ظهرَت عبر السنين والتمسّك عمومًا بمفهوم الملكية الفردية في المُخيلة الجماعية، برزت مطالباتٌ بفرز الأراضي، إلى أن خصّص مجلس الوزراء في عام 1997 اعتمادًا من موازنة الحكومة لإطلاق مشروع ضمٍّ وفرزٍ عامٍ ليونين والقاع والهرمل. ومنذ ذلك الحين، لم يأتِ نائبٌ أو وزيرٌ إلا وألحَق مشروع الضّم والفرز بجدول أولوياته، بما في ذلك اقتراح القانون المذكور. ولعلّ تصريحات نواب المنطقة والأسباب الموجبة للقانون التي تنصّ على "حماية الملكية الفردية وتحفيز الواقع الاقتصادي والتنمية في أكثر المناطق تهميشًا"، تجسّد صلب المشكلة: فباعتقاد القانون ومقدّميه، السّماح للمضاربة العقارية وقطاع البناء بالازدهار عن طريق تحديد الملكيّات وفرز أراضي المنطقة سيحلّ مشكلات التنمية الاقتصادية المزمنة فيها!
لكن في الواقع، معالجة التهميش والحرمان تقتضي وضع سياساتٍ تحمي القيمة الاجتماعية والزراعية للأرض بدلًا من فرزها لفتحها أمام سوق المضاربة العقارية. فالبقاع الشمالي هو محيطٌ زراعي بامتياز، يستمدّ الأهمية من كونه أثرى المناطق اللبنانية بالموارد الطبيعية وعوامل الإنتاج.
|